تعيش جوجل في الوقت الراهن حالة من الضياع المُربك عندما يتعلق الأمر بتطبيقات الأجهزة الذكية بشكل عام٬ وتطبيقاتها الخدمية بشكل خاص. ولو أردنا الحقيقة٬ فجوجل ومنذ فترة طويلة تعيش هذه الحالة دون وجود مُبرر على اعتبار أنها واحدة من أكبر الشركات التقنية عالميًا إن لم تكن الأكبر على الإطلاق.
من تابع مؤتمر جوجل الأخير I/O 2016 يعي تمامًا ما الذي يحدث٬ فالشركة تحدّثت في المؤتمر عن نيّتها تشغيل تطبيقات أندرويد من مُحرك بحث جوجل وتوفير وقت وعناء البحث عن التطبيقات داخل متجر جوجل بلاي وتثبيتها٬ أي أنها ستقوم بتشغيل أجزاء من التطبيقات لكي يستفيد المُستخدم من وظائفها دون الحاجة إلى تثبيتها.
تحدّثت في مقالة سابقة عن توجهات العام الجاري في مجال التطبيقات٬ وعن البدء في التحوّل من التطبيقات المُنفردة إلى تطبيقات الويب والتطبيقات الاجتماعية وهي توجهات تقودها جوجل وفيسبوك.
أي باختصار٬ ترى جوجل أن عناء تثبيت تطبيق مُنفصل لإتمام وظيفة مُحددة أصبح من الصيحات القديمة٬ ولا بُد من توفير جميع الأدوات في مكان واحد وتسهيل حياة المُستخدمين. وإذا لم تقتنع بمحتوى المقالة فإن لوحة Gboard التي أُطلقت مؤخرًا٬ أو المُساعد الرقمي Google Assistant، وهي حلول أُطلقت بعد كتابة المقالة٬ تؤكد صحّة وجهة النظر التي حاولت إيصالها.
لكن ما حدث في المؤتمر كان كالتالي، أعلنت جوجل عن تطبيقات جديدة للتواصل الفوري بين المُستخدمين٬ الأول حمل اسم Allo، والثاني حمل اسم Duo وهو مُتخصص بإجراء مُكالمات الفيديو بين المُستخدمين على غرار خدمة فيس تايم من آبل التي تعمل على أجهزتها الذكية وحواسبها فقط.
النتيجة النهائية أمام المُستخدم هي أربعة تطبيقات، فإلى جانب التطبيقات الجديدة هُناك تطبيق مسنجر Messenger لنظام أندرويد، وهو تطبيق مُتخصص في إرسال الرسائل القصيرة SMS، وتطبيق هانج آوتس Hangouts للمحادثات الفورية ومُكالمات الصوت والفيديو.
ولو فرضنا أن اتجاه جوجل في مجال عالم التطبيقات كان نحو تسهيل حياة المُستخدم وتشغيل أجزاء من تطبيقات أندرويد من داخل نتائج البحث٬ فإن إطلاقها لتطبيقين جديدين يُكرران وظائف تطبيقات سابقة من الشركة نفسها يعني أن الشركة تُناقض نفسها ولم تستقر على مفهوم واحد حتى هذه اللحظة.
الأغرب من ذلك أن أحد مُهندسي جوجل صرّح خلال المؤتمر أن الشركة سوف تستمر في تطوير تطبيق هانج آوتس Hangouts وسوف تستمر في إضافة ميّزات جديدة، وهذا يعني أن التطبيقات الجديدة لا تهدف أبدًا إلى استبدال القديمة، وبالتالي المزيد من التطبيقات أمام المُستخدم والمزيد من التشتت، وبكل أمانة لن أتخلى عن تطبيقات مثل واتس اب لصالح تطبيقات أُخرى لمُجرد أنها تأتي من شركة عريقة مثل جوجل.
ويبقى السؤال الأبرز، هل وجدت جوجل ضالتها واندفعت بسرعة بعدما نجح معها نموذج التطبيقات المُتخصصة بعد فصل خدمة الصور عن شبكة جوجل بلس؟ فالشركة أعلنت مع بداية المؤتمر أن خدمة صور جوجل Google Photos وصلت إلى 200 مليون مُستخدم نشط شهري٬ وبالتالي كررت هذا النموذج بتطبيقاتها الجديدة عوضًا من دمجها كخدمات داخل هانج آوتس.
تحدثت سابقًا في مقالة بعنوان ” جوجل تسبح عكس تيار الشبكات والمحادثات الاجتماعية وهذه المرة بتطبيق Spaces ” – نعم جوجل تستحوذ على اهتمامي كثيرًا في الفترة الأخيرة – عن عدم وجود رابط بين خدمات جوجل٬ فهي تمتلك الفكر الصحيح٬ لكن التنفيذ غير منطقي، ففي وقت نعيش فيه صيحة التطبيقات التشاركية الاجتماعية، لا توفر جوجل هذا المفهوم في أي من تطبيقاتها، فـ Spaces منفصل عن Youtube، منفصل عن هانج آوتس، ومنفصل أيضًا عن جي ميل، كُل يغني على ليلاه، حتى لو كان الحساب المُستخدم واحدًا، أين أصدقائي لتعزيز تجربة الاستخدام والاعتماد على هذه الخدمات ؟!
للأسف وحتى هذه اللحظة لم أجد الرابط بين تطبيقات جوجل التي من المُفترض أن تقوّي الروابط بين خدماتها وليس توسيع الفجوة بينها، فلماذا يترك المُستخدم مسنجر من فيسبوك ويتجه نحو مشاركة الروابط داخل Spaces؟ أو لماذا يتخلى عن مُكالمات الصوت والفيديو في واتس اب، ويذهب لـ Duo؟
من جهة أُخرى، وعند النظر من زاوية ثانية يُمكن اعتبار تطبيقات جوجل الجديدة مُحاولة للعودة إلى السوق من جديد في هذا المجال، مع اعتبار أن هانج أوتس فشل تمامًا في تحقيق الهدف المطلوب منه، وبالتالي عوضًا عن المُحاولة من نفس التطبيق، يُمكن الدخول بهويّة جديدة وميّزات جديدة لكسب ود شريحة أكبر هذه المرّة، وهذا مبدأ غاب عن ياهو في محاولاتها للعودة إلى الواجهة وأدى بها إلى الحضيض، حيث تحدّثت آخر الشائعات أن سعرها في السوق يصل إلى ٢ مليار دولار فقط، في حين أن واتس اب بيع بـ ١٩ مليار قبل عامين !
قد تبدو هذه النظرة أكثر واقعية وعقلانية، فشركة بحجم جوجل بكل تأكيد ليست بهذه السذاجة للتخبّط في الاتجاهات التقنية، فالقرار ليس دكتاتوري هناك، ويحتاج المُنتج للحصول على موافقة أكثر من شخص قبل أن يخرج للنور حاملًا اسم جوجل.
أما إذا أردنا النظر من زاوية ثالثة، فنموذج فيسبوك ومايكروسوفت في سكايب موجود أيضًا، فشركة فيسبوك على سبيل المثال أطلقت ما يُعرف بمختبرات فيسبوك، وقامت بإطلاق بعض التطبيقات تحت مظّلة مُختبرات فيسبوك لتجربتها ومُشاهدة ردود أفعال المُستخدمين وبالتالي وفّرت على نفسها سماع أخبار مثل ” فشل الميّزة ” أو ” عدم جدواها أبدًا “، فهي أطلقت تطبيقات كثيرة مثل Rooms، Paper، أو Slingshot وMoments، لكن النجاح كُتب للأخير فقط وتم دمجه مع مسنجر مع الإعلان رسميًا عن إيقاف تطوير البقية، وهكذا تكون فيسبوك لعبت بحذر دون تلطيخ سمعة مسنجر أبدًا.
وعلى الرغم من ذكاء هذا النموذج، إلا أنه لم يسر على ما يُرام مع مايكروسوفت، فالشركة أطلقت تطبيق Skype Qik، وهو تطبيق لمشاركة مقاطع الفيديو بين المُستخدمين، لكنها وبعد عام ونصف أعلنت إيقافه نهائيًا لأنه لم ينجح من جهة، ولأنه يُكرر ميّزات موجودة في سكايب من جهة ثانية، وهو ما يُعيدنا للنقطة الأولى عندما تحدثت عن أن تطبيقات Duo وAllo تُكرر ميّزات موجودة في هانج آوتس، وبالتالي لماذا يتجه المُستخدم لاستخدام تطبيقات جديدة عند وجود هذه الميّزات في تطبيقات سابقة ؟! وهذا قد يعني بطريقة أو بأُخرى، أن هذه التطبيقات قد تفشل بعد إطلاقها رسميًا، ففي البداية سوف يقوم الجميع بتثبيتها للتعرّف عليها، وبعد فترة سوف تُصبح تلك التطبيقات التي تستهلك من مساحة الجهاز لا أكثر ولا أقل.
لست من أصحاب النظرة التشاؤمية أبدًا، ولست بخبرة صنّاع القرار في شركة بحجم جوجل أيضًا، لكن المنطق والأمثلة التي شاهدناها أمام أعيننا تُساعدنا على فهم الواقع التقني. ولن ينجح أي تطبيق في تحقيق الصدمة التقنية إلا لو قدّم شيء مُميّز غير موجود في السوق، وهو الشيء الغير موجود – من وجهة نظري الشخصية – في تطبيقي Duo وAllo باستثناء المُساعد الرقمي Google Assistant الموجود في التطبيق الأخير فقط، والذي سوف يتوفر في بقية أجزاء أندرويد في جميع الأحوال.